فليحيا الخنفشار
صفحة 1 من اصل 1
فليحيا الخنفشار
فليحيا الخنفشار
قدم إلى القاهرة من بلاد فارس رجل أبيض اللحية، فصيح اللسان. وأقام في أحد أحيائها الشعبية القديمة. وكان يجلس منذ الصباح حتى المساء أمام منزله والقلم والكتاب لا يفارقانه أبدا. زاره أحد شبان الحي مرحبا بقدومه على الطريقة الشرقية في حسن الضيافة، محاولا أن يعرف من هو وما الذي حمله على المجيء إلى حيث هو. قال له الرجل الغريب: اني علاّمة أتنسك للعمل ولا أقوم بأي عمل آخر بل أعيش على هدايا طلاب المعرفة. لقد أنعم الله علي بموهبة فريدة فصرت اختزن كل علوم الأرض وآدابها وفنونها بحيث لا يسألني أحد سؤالاً، أيا كان نوعه وشأنه، إلا ويلقى مني على الفور جواباً أكيداً. دهش الشاب بما سمع فراح ينشر الخبر في الحي. وإذا بالسكان يؤلفون وفداً كبيراً منهم ويبادرون إليه عند المساء. هذا يحمل علبة من الحلوى، وذاك سلة مملوءة بالثمار وذلك كمية من البن والسكر. ورحبوا بقدومه وجعلوا يوجهون إليه أسئلتهم:
قال له الأول بينهم: ما عدد نجوم السماء، أيها العلامة الجليل؟.
أجابه العلامة: اكتب على ورقة رقم 7 وزِد عليه ثلاثة وتسعين صفرا تنل الجواب الصحيح.
قال الثاني: متى وُجد البشر على الأرض وأين؟.
أجابه العلامة: وجِدوا منذ ثلاثة ملايين وأربعة آلاف وثلاثمائة وخمس وسبعين سنة وثلاثة اشهر وخمسة أيام. والمكان الذي وجِدوا فيه كان يُدعى (هلياس).
قال الثالث: من هو صاحب المَثل السائر: الابن سِر أبيه؟. فكان الجواب: انه العباس بن المعلس.
أذهلت براعة هذا العلامة بالكلام وسرعة خاطره وسعة معرفته الحاضرين فرجعوا من عنده في آخر السهرة وهم يمجدون الخالق لأنه أرسل إليهم هذا لعبقري لكي يزيدهم معرفة في كل شأن من شؤون الحياة. بعد حين انتشر الخبر بسرعة البرق في الأحياء المجاورة فتهافت الناس أفواجا إلى العلامة وهم يحملون إليه الهدايا فيطرحون عليه أسئلتهم في كل حقل وموضوع وهو لا يتلعثم بالجواب السريع. وكان بين سكان الحي شاب نبيه اسمه مصطفى لطفي المنفلوطي تخصص بالأدب والفقه فعلِم بأمر هذا العلامة وعرف من الأجوبة التي أعطاها انه مشعوذ محتال يستثمر سذاجة الناس لكي يعيش على حسابهم. فمضى إليه مع أهل الحي في إحدى السهرات وجعل يصغي إلى ما يسألونه وما يرد هو عليهم، ولا يتلفظ بكلمة لكنه تأكد تماما من خداع الرجل.
وفي الغد دعا هذا الشاب سكان الحي وقال لهم: لا يغرّنكم هذا الداهية بأجوبته فليس منها أي جواب صحيح. وإذ رآهم قد استغربوا كلامه وحسبوه محسوداً منه، قال لهم: عند الامتحان يكرم المرء أو يُهان. تعالوا الآن نُرَكّب كلمة لا معنى لها من الحرف الأول من كل اسم من أسمائكم ثم نسأله ما معناها. وهكذا كان فإذا الكلمة المركبة هي (خنفشار). وفي الليل قصدوا إليه وسألوه: ما معنى الخنفشار؟. فمسح شفتيه وأجاب: إنه نبات في أطراف الهند الشرقية، ثمره أحمر وشكله شبيه بالبرتقال، وهو يشفي من داء السُكري.
ما أن أتم العلامة المزعوم كلامه هذا حتى قهقه الحاضرون وهتفوا بصوت واحد: فليحيا الخنفشار. وانصرفوا من عنده بدون وداع. أما هو، وقد أدرك افتضاح أمره، فرافقهم إلى الباب وهو يفرك رأسه ويقول: إني أشكو الليلة من صداع شديد. ولما انصرف الناس من عنده حزم أمتعته وترك البيت، إلى غير رجعة، تحت جنح الظلام. ولم يعد يسمع أحد عنه شيئا. ولعله راح يجرب حظه من جديد في غير مدينة!.
قدم إلى القاهرة من بلاد فارس رجل أبيض اللحية، فصيح اللسان. وأقام في أحد أحيائها الشعبية القديمة. وكان يجلس منذ الصباح حتى المساء أمام منزله والقلم والكتاب لا يفارقانه أبدا. زاره أحد شبان الحي مرحبا بقدومه على الطريقة الشرقية في حسن الضيافة، محاولا أن يعرف من هو وما الذي حمله على المجيء إلى حيث هو. قال له الرجل الغريب: اني علاّمة أتنسك للعمل ولا أقوم بأي عمل آخر بل أعيش على هدايا طلاب المعرفة. لقد أنعم الله علي بموهبة فريدة فصرت اختزن كل علوم الأرض وآدابها وفنونها بحيث لا يسألني أحد سؤالاً، أيا كان نوعه وشأنه، إلا ويلقى مني على الفور جواباً أكيداً. دهش الشاب بما سمع فراح ينشر الخبر في الحي. وإذا بالسكان يؤلفون وفداً كبيراً منهم ويبادرون إليه عند المساء. هذا يحمل علبة من الحلوى، وذاك سلة مملوءة بالثمار وذلك كمية من البن والسكر. ورحبوا بقدومه وجعلوا يوجهون إليه أسئلتهم:
قال له الأول بينهم: ما عدد نجوم السماء، أيها العلامة الجليل؟.
أجابه العلامة: اكتب على ورقة رقم 7 وزِد عليه ثلاثة وتسعين صفرا تنل الجواب الصحيح.
قال الثاني: متى وُجد البشر على الأرض وأين؟.
أجابه العلامة: وجِدوا منذ ثلاثة ملايين وأربعة آلاف وثلاثمائة وخمس وسبعين سنة وثلاثة اشهر وخمسة أيام. والمكان الذي وجِدوا فيه كان يُدعى (هلياس).
قال الثالث: من هو صاحب المَثل السائر: الابن سِر أبيه؟. فكان الجواب: انه العباس بن المعلس.
أذهلت براعة هذا العلامة بالكلام وسرعة خاطره وسعة معرفته الحاضرين فرجعوا من عنده في آخر السهرة وهم يمجدون الخالق لأنه أرسل إليهم هذا لعبقري لكي يزيدهم معرفة في كل شأن من شؤون الحياة. بعد حين انتشر الخبر بسرعة البرق في الأحياء المجاورة فتهافت الناس أفواجا إلى العلامة وهم يحملون إليه الهدايا فيطرحون عليه أسئلتهم في كل حقل وموضوع وهو لا يتلعثم بالجواب السريع. وكان بين سكان الحي شاب نبيه اسمه مصطفى لطفي المنفلوطي تخصص بالأدب والفقه فعلِم بأمر هذا العلامة وعرف من الأجوبة التي أعطاها انه مشعوذ محتال يستثمر سذاجة الناس لكي يعيش على حسابهم. فمضى إليه مع أهل الحي في إحدى السهرات وجعل يصغي إلى ما يسألونه وما يرد هو عليهم، ولا يتلفظ بكلمة لكنه تأكد تماما من خداع الرجل.
وفي الغد دعا هذا الشاب سكان الحي وقال لهم: لا يغرّنكم هذا الداهية بأجوبته فليس منها أي جواب صحيح. وإذ رآهم قد استغربوا كلامه وحسبوه محسوداً منه، قال لهم: عند الامتحان يكرم المرء أو يُهان. تعالوا الآن نُرَكّب كلمة لا معنى لها من الحرف الأول من كل اسم من أسمائكم ثم نسأله ما معناها. وهكذا كان فإذا الكلمة المركبة هي (خنفشار). وفي الليل قصدوا إليه وسألوه: ما معنى الخنفشار؟. فمسح شفتيه وأجاب: إنه نبات في أطراف الهند الشرقية، ثمره أحمر وشكله شبيه بالبرتقال، وهو يشفي من داء السُكري.
ما أن أتم العلامة المزعوم كلامه هذا حتى قهقه الحاضرون وهتفوا بصوت واحد: فليحيا الخنفشار. وانصرفوا من عنده بدون وداع. أما هو، وقد أدرك افتضاح أمره، فرافقهم إلى الباب وهو يفرك رأسه ويقول: إني أشكو الليلة من صداع شديد. ولما انصرف الناس من عنده حزم أمتعته وترك البيت، إلى غير رجعة، تحت جنح الظلام. ولم يعد يسمع أحد عنه شيئا. ولعله راح يجرب حظه من جديد في غير مدينة!.
abou khaled- عدد المساهمات : 1602
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى